المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يدرك الإنسان مفهوم «الزمن»؟



عبد الرؤوف
02-24-2009, 09:21 PM
هل يدرك الإنسان مفهوم «الزمن»؟


في العام 1955 قام الفيزيائي لويس إيسين ببناء جهاز لقياس الزمن سُمِّي ’’الساعة الذريّة’’، حيث يُقاس الزمن في هذه الساعة بمقدار اهتزاز (تردّد) الإلكترونات في ذرة السيزيوم بين مستويين للطاقة، وتّقدّر دقّة الوقت في هذه الساعة بما يعادل تأخير لمدة ثانية واحدة فقط لكل 300 سنة، وقد كان هذا الاختراع مقدمةً لمصطلح ’’الثانية الفلكية’’ الذي ظهر بعد عام بهدف الحساب الدقيق للزمن.
وفي العام ,1989 ابتكر أساتذة جامعة ستانفورد ’’النافورة الذريّة’’، وهي عبارة عن كرة تحتوي على ملايين الذرّات من عنصر السيزيوم، تم تجميدها لدرجة الصفر المطلق، ثم وُضعت في تقاطع أشعّة الليزر كي تطلق إلكترونات لا تتأثّر بالعوامل الخارجية، وتُقدّر دقة وقت الساعة المصنوعة باستخدام فكرة النافورة الذرية بما يعادل تأخير لمدة ثانية واحدة لكل 80 مليون سنة!
لكن الخلل الذي كان مصاحباً للساعة الذريّة تمثّل في صعوبة قياس مقدار تذبذب الإلكترونات في الذرّة بشكلٍ دقيقٍ للغاية، ولذلك انكّب سكوت دايدامس، المهندس الذي يعمل في المعهد الأميركي للمقاييس والتقنيات، على معالجة هذا الخلل في العام ,2001 وتمكّن من وضع الأيون الوحيد للزئبق في الحقل الكهروطيسي ليبرز بنتيجة ذلك جهاز جديد لقياس الزمن يعادل تأخير ثانية لكل أربعة ملايين سنة، وفي مارس/آذار من العام ,2008 وعن طريق مضاهاة تردّد إشعاع أيون الزئبق مع تردّدات ذرّات الألومونيوم، استطاع المعهد الأميركي سابق الذكر تصميم ’’الساعة الضوئية’’، وهي أكثر أجهزة قياس الوقت دقةً حتى هذه اللحظة، حيث يفترض - من الناحية النظرية الصرفة - ألا يتأخر الزمن الذي تشير إليه الساعة الضوئية أكثر من ثانية واحدة لكل 650 مليون سنة!.
إن علماء الفيزياء يستميتون بشكلٍ متواصلٍ في تقليص درجة الخطأ في قياس الزمن لأن الدقّة تعينهم على إجراء حسابات دقيقة في فيزياء الكم، وتحقيق التزامن بين البيانات التي ترسلها الأقمار الصناعية عن طريق حساب نسبة الخطأ في زمن وصول إشارة القمر إلى المحيط الجوي الأرضي.
غير أن مدى اهتمام الإنسان بدقة الزمن يتوقّف على درجة إدراكه لمفهوم ’’الزمن’’، فمراقبة حركة عقرب ساعة اليد دورةً كاملةً تعطي الإنسان فكرةً واضحةً عن مفهوم ’’ الدقيقة ’’، لكن مفهوم الثانية يظّل غامضاً بالنسبة إليه، فهذا المصطلح يدركه الحَكَم الرياضي الذي لا يدرك هو الآخر مفهوم ’’ الجزء المليوني من الثانية’’، وهو زمن إجراء بعض العمليات الرياضية المعقدّة في ذاكرة الكمبيوتر. ويرى الباحث بيتر ليندز أن التصوّر الذهني لأي فترة زمنية قصيرة جداً يحتاج إلى تثبيت الشيء في مكان محدّد قياساً لشيء آخر في الذاكرة، فإدراك الإنسان لواقعة أن قطاراً ما يتحرِّك أمامه (قياساً لسكة الحديد الثابتة أسفله)، يتطلّب منه أن يقوم بتثبيت الصورة الذهنية المتكوِّنة لديه عن القطار، وتجميدها للحظاتٍ، بحيث يستطيع أن يعيها، لأنه يصعب إدراكها في صورتها المتحرِّكة بسبب التغيّر المستمر في وضعها مع مرور الزمن، وهذه اللحظات القصيرة تعادل آلاف الأجزاء من الثانية[1].
وعلى هذا الأساس، يرى علماء الفيزياء أن فكرة ’’ اللحظة الحالية ’’ لا تحمل أساساً فيزيائياً فعلياً، بل هي مجرّد تصورات ذهنية فردية مستمدة من الخبرات الواعية، فحتى لو توقّفت الحواس الخمس لدى الإنسان لفترةٍ وجيزةٍ، فإن حركة الزمن تظل باقيةً بشهادة الأنماط المتغيِّرة لتفكيره خلال تلك الفترة الوجيزة[2]. إننا لا ندرك الوقت، لكننا ندرك التغيّرات أو الأحداث الجارية ضمن حركة الوقت، وليس الأحداث بالضبط، بل علاقاتها المحدّدة زمنياً: الماضي والحاضر، الترتيب، التغيّر، إلخ. فاللقطة السريعة المعروضة لمدة ثانية واحدة في فيلمٍ سينمائي تعادل (24) لقطةً، لكنها تعرض بشكل سريعٍ لإعطاء المشاهد إحساساً بالحركة، ففي الفيلم السينمائي يُختزل زمن التصوير الفعلي (24) مرة، لكننا لا نعي ذلك بسبب المواءمة بين سرعة العرض وحركة العين، وإذا لم يتحقّق ذلك فسنرى أن الممثل يتحرك بسرعةٍ غير مألوفة، وذلك على غرار أفلام الممثل الإنجليزي الكوميدي شارلي شابلن!.
ومع أن المثل الشائع يزعم أن ’’الوقت مال’’، إلا أن الأديب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899-1986) كان محقاً حينما قال ’’إن الوقت لا يُقاس بالأيام كما يُقاس المال بالدولارات، لأن كل يوم يختلف عن الآخر’’، فكل يوم يمنحنا إحساساً جديداً بالوقت، وإدراكاً مختلفاً لهذا المفهوم!

* بقلم / نعمان الموسوي _ ص الوقت

* هوامش
[1] راجع الوصلة: 5213/gro.stnirpgoc
[2] راجع الوصلة: plato.stanford.edu/entries/time-experience

احمدفتحى
03-01-2009, 08:07 AM
مشكور استاذى الكريم
على هذا المقال الرائع
اخيك
احمدمحمدفتحى

عبد الرؤوف
03-01-2009, 09:29 PM
حياك الله أخي احمد فتحي . ومشكور على تعقيبك الطيب .