المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النيزك.. حضانة فلسطينية لتخليق الابتكارات



عبد الرؤوف
02-17-2009, 08:51 PM
النيزك.. حضانة فلسطينية لتخليق الابتكارات

فكرة مجنونة تحولت إلى عنوان للشبان والمبدعين الفلسطينيين.. هذا ما يصف به عارف الحسيني "مؤسسة النيزك" التي يقوم على إدارتها ويعد أحد مؤسسيها، وذلك بعد مرور 7 أعوام على إنشائها، فالمؤسسة تحولت من مجرد فكرة أجمع عليها عدد من الشبان الممتعضين من كتب العلوم النظرية المعزولة عن التطبيق، إلى حضانة للابتكارات تعرض عليها أكثر من خمس أفكار على الأقل.

يقول الأستاذ عارف: "بدأت عملي أنا والزملاء عبر التطوع في المدارس الفلسطينية؛ حيث حمل كل منا حقيبة يد تحوي معدات ووسائل علمية لتطبيق بعض تجارب الفيزياء والكيمياء وعرضها على التلاميذ، واكتشفنا من خلال مراقبتنا للطلاب أنهم يفتقرون لمهارات النجاح الأساسية وهي: الصبر، والإصغاء، وحب الاكتشاف، وهذا يعني أن لدينا إشكالية في الفكر المنتج في كل من المناهج التعليمية المطبقة في المدارس والجامعات، وفي السوق الخاص الفلسطيني الذي يقتصر دوره على التجارة والخدمات، فاستنتجنا للأسف أنه لا توجد رؤية مستقبلية لتأسيس اقتصاد وطني مبني على صناعات محلية ترفع البلد لمستويات عليا".

العلوم.. فاكهة الحياة
ويذكر الحسيني بانزعاج شديد حقيقة أنه بالرغم من كون دراسة العلوم ممتعة ومسلية، إلا أنه يتم الاعتماد في دراستها على الحفظ، بالرغم أنها كما يصف "هي فاكهة الحياة"، والصناعة والفكر المنتج سبب رئيس لرقي الشعوب، من هنا ألحّ عليه هاجس أن يفعل شيئا، فلا يكفي أن نقنع بالعمل كموظفي خدمات بل على الفلسطينيين أن يخلقوا واقعا جديدا أكثر وعدا وأملا.

ويقول الحسيني في هذا الصدد: "أذكر أن الجميع قلّل من أهميتنا في البداية واستهزأ منا، ووضع عوائق السياسة وتحرير الوطن أمامنا ليقنعنا بعبثية مشاريعنا، إلا أن تميز المعرض العلمي الثالث والإنجازات العلمية، وبراءات الاختراع التي سجلت باسم فلسطين سلطت علينا الأضواء".

ويؤكد الحسيني أن النيزك تركز في جدول أعمالها على مشاريع الطاقة البديلة ( النظيفة)، مستفيدة من كون فلسطين تملك قيمة مضافة ؛ حيث تتوفر الشمس 300 يوم في السنة، ووجود مناطق دائمة الحرارة كالأغوار.

ومع أن الفكرة مكلفة إلا أنها ليست بالمستحيلة؛ فإسرائيل تلحق بالمنطقة عددا من الكوارث البيئية عبر حرق آلاف الأطنان من الفحم الحجري في مولدات الكهرباء، وصب دخانها السام في سماء الضفة الغربية والأردن؛ وهو ما يدفعنا لمحاولة بذل الجهد لتخفيض العوادم، استخدام طاقات نظيفة.

حضانة للاختراعات
يشعر الحسيني بالسعادة من ردود فعل الشبان المخترعين حين يجدون من يحتضن اختراعاتهم، ويذكر قصة أثرت في نفسه حين سمع أحد الشبان من الذين تعاونوا مع النيزك يقول في مقابلة تلفزيونية: "كنت أعمل عتالا لصناديق الخضروات في الخليل، وبعد أن تعرفت على مؤسسة النيزك وساهمت في بعض المشاريع العلمية استطعت الحصول على وظيفة برتبة مهندس في مصنع، فلولا النيزك لعشت ومت دون أن يعرف أحد أن لدي من القدرات ما يؤهلني لأن أكون مهندسا وليس مجرد عتال بسيط".

ويضيف الحسيني ختاما لحديثه: "أنا متفائل من قدرة الشباب على التميز بالعلوم، ولست متفائلا من المؤسسات الأكاديمية ورغبتها في تغيير مناهجها.. أتمنى أن نتعلم من تجربتي سنغافورة وأيرلندا الشمالية؛ حيث استثمرت الدولتان العقل عبر تطويرهما لمناهج التعليم، وأصبحتا من الدول المتقدمة علميا".

روبوت لرش المبيدات
سلسلة طويلة من المخترعين الذين تبنتهم المؤسسة.. منى العدرة التي تعرفت على مؤسسة النيزك في القدس عبر إعلان في صحيفة محلية محتواه دعوة الشباب للمشاركة في ابتكاراتهم العلمية في الدورة الجديدة، فكان لهذه المؤسسة الدور الأبرز في إتمام مشروعها من خلال تقديم الدعم المادي، وتعزيز الفكر الإبداعي عبر دورات منظمة ومكثفة.

تقطن الشابة العشرينية منى رام الله، وتعمل في مهنة تنسيق الزهور، إلى جانب دراستها الهندسة الزراعية في الجامعة.. امتلأت روحها بحب المقاومة منذ نعومة أظافرها، وهو ما دفعها لابتكار سلاح لحماية زهورها الحبيبة؛ فبحثت ودرست حتى خرجت باختراع جهاز إلكتروني لرش المبيدات، مع أخذها في الحسبان عدم الإضرار بالبيئة أو المزروعات.

لم تقف ثقافة المجتمع -الذي يصنف العلوم والميكانيكا على أنها تخصص للذكور- في وجه المخترعة الصغيرة؛ فواجهت استغراب الكثيرين واستفساراتهم حول مشروعها بعزيمة قوية، واستمرت في الذهاب إلى ورشات الحدادة والخراطة وغيرها من الأماكن التي يندر دخولها من قبل الفتيات لإتمام ابتكارها.

واختراع منى ليس فقط الأول من نوعه بل إنها المرة الأولى لها، وتقول تعليقا: "لم يكن اختراعي ضمن جملة من عدة اختراعات ابتكرتها؛ فهو الأول والوحيد حتى الآن، فقد دفعتني رغبتي في الحفاظ على بيئة صحية لابتكار هذا الجهاز، الذي مر بعدة مراحل حتى وصل إلى شكله النهائي".

الروبوت الآلي لبيئة آمنة
تعتمد فكرة الجهاز على رش المبيدات والأسمدة الورقية داخل البيوت البلاستيكية، فيعمل على تقليل كمية الأسمدة المهدرة بالرش من خلال التحكم في كمية المادة المستخدمة، وتركيز الرش على أماكن تواجد المرض؛ مما يحمي المزارع من خطر التعرض المستمر للكيماويات، وتعمل الآلة بنظام التحكم عن بعد بواسطة الريموت كونترول، وتستقبل الأوامر لمسافة تقدر بـ25 مترا، كما تعمل حاليا بالبطارية المشحونة بالكهرباء.

خلال فترة العمل لم تكن الآراء تشجيعية على، حد قول منى، ولكن بعد الإنجاز ودعوة الزوار إلى المعرض العلمي كانت ردود الفعل إيجابية ومشجعة كثيرا، "كانت نظرات الإعجاب من الفتيات في سني أو اللاتي هن أصغر مني أجمل الملاحظات التي يمكنني وصفها بالاستثنائية.. كن معجبات كثيرا بما فعلت، وأذكر جملة قالتها إحدى طالبات مدرسة ثانوية زارت المعرض، قالت: "نحن فخورون بك".

عشق العمل هو متعة منى في الحياة؛ فهي كمهندسة زراعية تستمتع كثيرا بعملها، وتحلم دوما بخضرة تملأ المكان، وبطبيعة نظيفة وصحية، كما تسعى منى الآن إلى تطوير اختراعها وخاصة "المرشّات" لتعمل الآلة بشكل أفضل، وهي في صدد استبدال البطارية بنظام الألواح الشمسية للاستفادة من الطاقة النظيفة.

"يستحق الشباب الفلسطيني نظرة متأنية فيما يمكنهم إنجازه، وتستحق فلسطين أن يكتب اسمها على اختراعات وإنجازات نفخر أن نقول عنها: صنعت في فلسطين"، هكذا ختمت منى قصتها مع الاختراع الأول. اسلام اونلاين