حسن شهاب الدين
10-06-2006, 12:15 AM
ظاهرة السراب في القرآن إعجاز علمي
حسن يوسف شهاب الدين
أستـاذ فيزيـــــاء
[email protected]
قال الله تعالى في القرآن الكريم
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب} (39) سورة النور.
ِ
رأي المفسرين
جاء في صحيح مسلم بشرح الإمام النووي في كتاب الإيمان. باب معرفة طريق الرؤية رقم الحديث
302 _ (183) قوله صلى الله عليه وسلم :( فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً ( السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
وفي كتاب لسان العرب لابن منظور السراب: اللامع في المفازة كالماء، وذلك لانسرابه في مرأى العين، وكان السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة
وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن كثير في قوله {كسراب بقيعة} يقول: أرض مستوية المنبسطة.
وجاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
السراب ما لصق بالأرض، وذلك يكون نصف النهار وحين يشتد الحر. والآل ما كان كالماء بين السماء والأرض، وذلك يكون أول النهار، يرفع كل شيء ضحى.
وقوله: {بقيعة} وهي جمع قاع، كالجيرة جمع جار، والقاع ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب.
وجاء في: تفسير الإمام جلال الدين المحلي
39 - (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) جمع قاع أي فلاة وهي شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري.
وبذالك يكون المعنى في قوله تعالى (كسراب بقيعة) أن القاع ما انبسط من الأرض واتسع وفيه يكون السراب عند اشتداد الحر وبالتالي السراب ملازم للقيعة ولا يتشكل بدونها.
من الناحية العلمية
يعتبر انتشار الضوء على هيئة خطوط مستقيمة ومتوحدة الخواص إحدى المسلمات الأساسية في علم البصريات، حيث ينتشر الضوء بالوسط الشفاف والمتجانس وموحد الخواص على هيئة خطوط مستقيمة طالما لم يعترضه عائق و يتميز الوسط البصري بوجود معامل يطلق عليه معامل الانكسار الذي يقيس سرعة الضوء بهذا الوسط، فكلما زاد هذا المعامل كلما كانت سرعة انتشار الضوء بالوسط صغيرة. ويتوقف معامل الانكسار للهواء على كثافته وبالتالي على درجة حرارته، فكلما زادت كثافة الهواء كلما انخفض معامل الانكسار ويتكون السراب نتيجة لانكسار الضوء في الهواء. و هو يحدث عندما تكون طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض أقل كثافة من طبقات الهواء الأعلى . فعندما تسطع الشمس في أيام الصيف في الصحراء أو على الطرق المرصوفة ترتفع درجة حرارة سطح الأرض و بالتالي درجة حرارة طبقة الهواء الملامسة والقريبة من سطح الأرض فتتمدد و تقل كثافتها وكذلك كثافتها الضوئية ومعامل انكسارها.
وبذلك يزداد معامل انكسار الهواء تدريجيا كلما ارتفعنا إلى أعلى حيث يبرد الهواء.
تعريف ظاهرة السراب
هي خدعة بصرية (ضوئية) تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة والأرض المستوية واختلاف في معامل الانكسار مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ليعكس صورا وهمية للأجسام وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبير,وترجع تسمية السراب عند العرب سرب الماء أي جرى وسار,أما التسمية الإنكليزية لهذه الظاهرة فتعود إلى كلمة mirage وتعني المرآة باللغة الفرنسية.
السبق العلمي لدراسة ظاهرة السراب : كان السبق في دراسة هذه الظاهرة إلى علمائنا المسلمون الكبار وعلى رأسهم صاحب كتاب المناظر في البصريات العالم المسلم الحسن ابن الهيثم البصري الذي كان رائدا في هذا المجال وكان أول من أعطى تفسيرا لهذه الظاهرة بشكل علمي وفيزيائي .
أنواع السراب
(1) - السراب السفلي
1- السراب الصحراوي : يحدث هذا النوع في الصحراء نتيجة الحرارة الشديدة التي تنعكس عن رمالها مما يجعلها في حالة توهج شديد ليأخذ شكل سطح مائي أمام عين الناظر (المسافر) فيعكس صورا عديدة وهمية تمثل انعكاسا للمسافة الممتدة أمامه,ويفسر ذالك بأن كثافة طبقة الهواء الساخنة القريبة من الأرض تكون أقل من الطبقات الأعلى منها مما يجعل الضوء المنعكس عن هذه المنطقة يصاب بدرجة من التقوس والانحناء تجعله يرتد عنها إلى أعلى فيبدو لعين الناظر وكأنه سطح مرآة ينعكس عليه صفحة الماء الهادئ يمتد أمامه إلى مالا نهاية بسبب شدة الحرارة بدليل أنه كلما اقترب منه ابتعد عنه.
2- السراب في المدن : يحدث هذا النوع من السراب في المدن وخاصة على الطرق المبلطة والمعبدة بالإسفلت التي تسخن بشدة تحت تأثير أشعة الشمس وبفضل لونها الأسود فيبدو سطح الطريق من بعيد وكأنه مغطى ببركة من المياه ويعكس الأجسام البعيدة وبذالك يدرك الناظر إلى هذه الظاهرة أنها خدعة بصرية لأنه كلما اقترب منها ابتعدت عنه , وتبقى المسافة ثابتة بين البركة الخادعة وعين الناظر.
(2) – السراب الجانبي : وهو انعكاس لأحد الجدران العمودية الساخنة بتأثير الشمس, وقد أتى على وصفه أحد المؤلفين الفرنسيين حين لاحظ عند اقترابه من سور القلعة أن الجدار المسطح للسور بدأ يلمع فجأة مثل المرآة وقد انعكس فيه المنظر الطبيعي بما فيه الأرض والسماء وعند اقترابه عدة خطوات إلى الأمام لاحظ نفس التغيير قد طرأ على الجدار الآخر للسور وبدا له وكأن السطح الرمادي غير المنتظم قد تحول إلى سطح لماع وكان يوما شديد الحر أدى إلى تسخين الجار بشدة واختلفت الكثافة بين طبقات الهواء وبالتالي اختلاف معاملات الانكسار وهذا السبب الفيزيائي لرؤية الجدار يلمع.
والسبب الفيزيائي للسراب السفلي و الجانبي : يكون الهواء بالحالات الثلاث السابقة أسخن بالقرب من الأرض ومعامل الانكسار ضعيفاً مما يجعل الضوء يسير بسرعة أكبر وتنحني أشعة الضوء إلى الأعلى لذا نرى انعكاس السماء أو جسم بعيد على الأرض كما لو كان هناك ماء وما يحدث في هذه الحالة ليس مجرد انعكاس بل ما يسمى بلغة الفيزياء (الانعكاس الكلي) ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن يكون الشعاع الداخل في طبقات الهواء مائلا أكثر من الميل الذي هو عليه وفيما عدا ذالك لا تتكون لديه (الزاوية الحرجة) لسقوط الشعاع التي لا يحدث بدونها انعكاس كلي ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن تكون طبقات الهواء الكثيفة أعلى من الطبقات التي تقل عنها كثافة وتتحقق هذه الحالة بوجود الهواء المتحرك حيث لا تتحقق بدونه ، وعند الاقتراب من السراب تزداد قيمة الزاوية المنحصرة بين الأشعة والأرض فيقل انحناء الأشعة فيختفي الماء .
(3) - السراب القطبي
وهو ظاهرة مألوفة لسكان الشواطئ خاصة في المناطق الباردة وفيه تبدو الأجسام الموجودة على سطح الأرض و كأنها مقلوبة ومعلقة في السماء كما بالشكل التالي.
وتحدث هذه الظاهرة عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة بينما تهب في الطبقات العليا تيارات ساخنة ، وبذلك تقل كثافة طبقات الهواء بزيادة بعدها عن سطح الأرض ، وبالتالي تقل معاملات انكسار طبقات الهواء المتتالية صعودا .
لذلك إذا تتبعت شعاعا ضوئيا صادرا من مركب شراعي تجده ينكسر في طبقات الهواء المتتالية بعدا عن العمود و متخذا مسارا منحنيا حتى تصبح زاوية سقوطه في إحدى الطبقات أكبر من الزاوية الحرجة لهذه الطبقة بالنسبة للطبقة التي تعلوها فينعكس انعكاسا كليا ليتخذ مسارا منحنيا في الاتجاه المضاد ليصل إلى العين فيبدو المركب معلق في الهواء وهو مقلوب.
تفسير حدوثه :
1- عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة وطبقات الهواء العليا دافئة ،فإنه كلما ارتفعنا إلى أعلى تقل كثافة الهواء وبالتالي تقل معاملات الانكسار لطبقات الهواء المتتالية .
2- الشعاع الصادر من مركب شراعي ينتقل من طبقة معامل انكسارها كبير إلى طبقة أخرى معامل انكسارها صغير لذا ينكسر الشعاع مبتعدا عن العمود المقام على الحد الفاصل .
3- يستمر انكسار الأشعة الضوئية بين طبقات الهواء المتتالية مبتعدة عن العمود المقام حتى تصبح زاوية السقوط في إحدى الطبقات أكبر من الزاوية الحرجة لهذه الطبقة بالنسبة للطبقة التي تليها فينعكس الشعاع انعكاسا كليا داخليا متخذا مسارا منحنيا إلى أسفل .
4- عندما يصل الشعاع إلى العين نرى صورة المركب على امتداد الشعاع فتبدو الصورة مقلوبة وكأنها معلقة في السماء .
وجه الإعجاز:
عبر القرآن الكريم عن ظاهرة السراب تعبيرا رائعا ووصفا علميا دقيقا يضاهي تعريف العلماء وأصحاب الاختصاص ,كما جاء وصفها أيضا بكلام نبيه المصطفى عليه صلوات الله وسلامه بالحديث الشريف , وقبل شرح أوجه الإعجاز دعونا نتذكر صفات السراب لنبين الإيجاز في التعبير والوصف العلمي الدقيق.
صفات ظاهرة السراب
1- المكان المناسب لحدوثها ....... 2- اشتداد الحرارة
3- السراب يشبه سطح الماء ........ 4- وجود الهواء المتحرك
5- كلما اقتربنا منه ابتعد عنا
قال الله تعالى في محكم تنزيله في سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب) , ( 39)
أما في قوله سبحانه (كسراب بقيعة ) فهذا يعني أن السراب لا يحدث إلا في الأرض القيعة والتي تعني الأرض المستوية أو ما انبسط من الأرض ولا يتكون السراب إلا بوجود هذا المكان الخاص .
وفي قوله غزّ من قائل (يحسبه الظمآن ماء ) أما الظمآن فهو ما اشتد عطشه و يصبح كذالك تحت ظروف الجو الحار , وهذا يدل على الشرط الثاني .
والإعجاز المبهر والذي لا جدال فيه عند أصحاب الاختصاص ,تشبيه السراب بالماء وليس بالمرآة مثلما قال العلماء الغربيون فشتان ما بين الانعكاس عن سطح الماء وسطح المرآة لان حادثة السراب لا تحدث إلا بوجود الهواء المتحرك (تيارات الحمل) فتظهر طبقات الهواء متموجة مثل الماء , وهذا هو الشرط الثالث والرابع .
والمعادلة الفيزيائية لظاهرة السراب تكمن بقوله تعالى (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) , نستنبط من هذه الكلمات الربانية أنه كلما اقتربنا من السراب ابتعد عنا وبالتالي فإن المسافة بين عين الناظر والسراب ثابتة وهذا هو الشرط الخامس .
ومن التجارب التي خاضها البشر أمام السراب تجربة السيدة هاجر زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام في سعيها بين جبلي الصفا والمروة للحصول علي غذاء وماء لطفلها النبي إسماعيل عليه السلام, معتقدة أن السراب ماء يمكنها الحصول عليه .
والسؤال هنا من أخبر النبي المصطفى عليه صلوات الله وسلامه قبل 14 قرنا عن ظاهرة السراب وشروطها وتفسيرها العلمي والفيزيائي .
حسن يوسف شهاب الدين
أستـاذ فيزيـــــاء
[email protected]
قال الله تعالى في القرآن الكريم
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب} (39) سورة النور.
ِ
رأي المفسرين
جاء في صحيح مسلم بشرح الإمام النووي في كتاب الإيمان. باب معرفة طريق الرؤية رقم الحديث
302 _ (183) قوله صلى الله عليه وسلم :( فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً ( السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
وفي كتاب لسان العرب لابن منظور السراب: اللامع في المفازة كالماء، وذلك لانسرابه في مرأى العين، وكان السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة
وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن كثير في قوله {كسراب بقيعة} يقول: أرض مستوية المنبسطة.
وجاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
السراب ما لصق بالأرض، وذلك يكون نصف النهار وحين يشتد الحر. والآل ما كان كالماء بين السماء والأرض، وذلك يكون أول النهار، يرفع كل شيء ضحى.
وقوله: {بقيعة} وهي جمع قاع، كالجيرة جمع جار، والقاع ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب.
وجاء في: تفسير الإمام جلال الدين المحلي
39 - (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) جمع قاع أي فلاة وهي شعاع يرى فيها نصف النهار في شدة الحر يشبه الماء الجاري.
وبذالك يكون المعنى في قوله تعالى (كسراب بقيعة) أن القاع ما انبسط من الأرض واتسع وفيه يكون السراب عند اشتداد الحر وبالتالي السراب ملازم للقيعة ولا يتشكل بدونها.
من الناحية العلمية
يعتبر انتشار الضوء على هيئة خطوط مستقيمة ومتوحدة الخواص إحدى المسلمات الأساسية في علم البصريات، حيث ينتشر الضوء بالوسط الشفاف والمتجانس وموحد الخواص على هيئة خطوط مستقيمة طالما لم يعترضه عائق و يتميز الوسط البصري بوجود معامل يطلق عليه معامل الانكسار الذي يقيس سرعة الضوء بهذا الوسط، فكلما زاد هذا المعامل كلما كانت سرعة انتشار الضوء بالوسط صغيرة. ويتوقف معامل الانكسار للهواء على كثافته وبالتالي على درجة حرارته، فكلما زادت كثافة الهواء كلما انخفض معامل الانكسار ويتكون السراب نتيجة لانكسار الضوء في الهواء. و هو يحدث عندما تكون طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض أقل كثافة من طبقات الهواء الأعلى . فعندما تسطع الشمس في أيام الصيف في الصحراء أو على الطرق المرصوفة ترتفع درجة حرارة سطح الأرض و بالتالي درجة حرارة طبقة الهواء الملامسة والقريبة من سطح الأرض فتتمدد و تقل كثافتها وكذلك كثافتها الضوئية ومعامل انكسارها.
وبذلك يزداد معامل انكسار الهواء تدريجيا كلما ارتفعنا إلى أعلى حيث يبرد الهواء.
تعريف ظاهرة السراب
هي خدعة بصرية (ضوئية) تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة والأرض المستوية واختلاف في معامل الانكسار مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ليعكس صورا وهمية للأجسام وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبير,وترجع تسمية السراب عند العرب سرب الماء أي جرى وسار,أما التسمية الإنكليزية لهذه الظاهرة فتعود إلى كلمة mirage وتعني المرآة باللغة الفرنسية.
السبق العلمي لدراسة ظاهرة السراب : كان السبق في دراسة هذه الظاهرة إلى علمائنا المسلمون الكبار وعلى رأسهم صاحب كتاب المناظر في البصريات العالم المسلم الحسن ابن الهيثم البصري الذي كان رائدا في هذا المجال وكان أول من أعطى تفسيرا لهذه الظاهرة بشكل علمي وفيزيائي .
أنواع السراب
(1) - السراب السفلي
1- السراب الصحراوي : يحدث هذا النوع في الصحراء نتيجة الحرارة الشديدة التي تنعكس عن رمالها مما يجعلها في حالة توهج شديد ليأخذ شكل سطح مائي أمام عين الناظر (المسافر) فيعكس صورا عديدة وهمية تمثل انعكاسا للمسافة الممتدة أمامه,ويفسر ذالك بأن كثافة طبقة الهواء الساخنة القريبة من الأرض تكون أقل من الطبقات الأعلى منها مما يجعل الضوء المنعكس عن هذه المنطقة يصاب بدرجة من التقوس والانحناء تجعله يرتد عنها إلى أعلى فيبدو لعين الناظر وكأنه سطح مرآة ينعكس عليه صفحة الماء الهادئ يمتد أمامه إلى مالا نهاية بسبب شدة الحرارة بدليل أنه كلما اقترب منه ابتعد عنه.
2- السراب في المدن : يحدث هذا النوع من السراب في المدن وخاصة على الطرق المبلطة والمعبدة بالإسفلت التي تسخن بشدة تحت تأثير أشعة الشمس وبفضل لونها الأسود فيبدو سطح الطريق من بعيد وكأنه مغطى ببركة من المياه ويعكس الأجسام البعيدة وبذالك يدرك الناظر إلى هذه الظاهرة أنها خدعة بصرية لأنه كلما اقترب منها ابتعدت عنه , وتبقى المسافة ثابتة بين البركة الخادعة وعين الناظر.
(2) – السراب الجانبي : وهو انعكاس لأحد الجدران العمودية الساخنة بتأثير الشمس, وقد أتى على وصفه أحد المؤلفين الفرنسيين حين لاحظ عند اقترابه من سور القلعة أن الجدار المسطح للسور بدأ يلمع فجأة مثل المرآة وقد انعكس فيه المنظر الطبيعي بما فيه الأرض والسماء وعند اقترابه عدة خطوات إلى الأمام لاحظ نفس التغيير قد طرأ على الجدار الآخر للسور وبدا له وكأن السطح الرمادي غير المنتظم قد تحول إلى سطح لماع وكان يوما شديد الحر أدى إلى تسخين الجار بشدة واختلفت الكثافة بين طبقات الهواء وبالتالي اختلاف معاملات الانكسار وهذا السبب الفيزيائي لرؤية الجدار يلمع.
والسبب الفيزيائي للسراب السفلي و الجانبي : يكون الهواء بالحالات الثلاث السابقة أسخن بالقرب من الأرض ومعامل الانكسار ضعيفاً مما يجعل الضوء يسير بسرعة أكبر وتنحني أشعة الضوء إلى الأعلى لذا نرى انعكاس السماء أو جسم بعيد على الأرض كما لو كان هناك ماء وما يحدث في هذه الحالة ليس مجرد انعكاس بل ما يسمى بلغة الفيزياء (الانعكاس الكلي) ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن يكون الشعاع الداخل في طبقات الهواء مائلا أكثر من الميل الذي هو عليه وفيما عدا ذالك لا تتكون لديه (الزاوية الحرجة) لسقوط الشعاع التي لا يحدث بدونها انعكاس كلي ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن تكون طبقات الهواء الكثيفة أعلى من الطبقات التي تقل عنها كثافة وتتحقق هذه الحالة بوجود الهواء المتحرك حيث لا تتحقق بدونه ، وعند الاقتراب من السراب تزداد قيمة الزاوية المنحصرة بين الأشعة والأرض فيقل انحناء الأشعة فيختفي الماء .
(3) - السراب القطبي
وهو ظاهرة مألوفة لسكان الشواطئ خاصة في المناطق الباردة وفيه تبدو الأجسام الموجودة على سطح الأرض و كأنها مقلوبة ومعلقة في السماء كما بالشكل التالي.
وتحدث هذه الظاهرة عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة بينما تهب في الطبقات العليا تيارات ساخنة ، وبذلك تقل كثافة طبقات الهواء بزيادة بعدها عن سطح الأرض ، وبالتالي تقل معاملات انكسار طبقات الهواء المتتالية صعودا .
لذلك إذا تتبعت شعاعا ضوئيا صادرا من مركب شراعي تجده ينكسر في طبقات الهواء المتتالية بعدا عن العمود و متخذا مسارا منحنيا حتى تصبح زاوية سقوطه في إحدى الطبقات أكبر من الزاوية الحرجة لهذه الطبقة بالنسبة للطبقة التي تعلوها فينعكس انعكاسا كليا ليتخذ مسارا منحنيا في الاتجاه المضاد ليصل إلى العين فيبدو المركب معلق في الهواء وهو مقلوب.
تفسير حدوثه :
1- عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة وطبقات الهواء العليا دافئة ،فإنه كلما ارتفعنا إلى أعلى تقل كثافة الهواء وبالتالي تقل معاملات الانكسار لطبقات الهواء المتتالية .
2- الشعاع الصادر من مركب شراعي ينتقل من طبقة معامل انكسارها كبير إلى طبقة أخرى معامل انكسارها صغير لذا ينكسر الشعاع مبتعدا عن العمود المقام على الحد الفاصل .
3- يستمر انكسار الأشعة الضوئية بين طبقات الهواء المتتالية مبتعدة عن العمود المقام حتى تصبح زاوية السقوط في إحدى الطبقات أكبر من الزاوية الحرجة لهذه الطبقة بالنسبة للطبقة التي تليها فينعكس الشعاع انعكاسا كليا داخليا متخذا مسارا منحنيا إلى أسفل .
4- عندما يصل الشعاع إلى العين نرى صورة المركب على امتداد الشعاع فتبدو الصورة مقلوبة وكأنها معلقة في السماء .
وجه الإعجاز:
عبر القرآن الكريم عن ظاهرة السراب تعبيرا رائعا ووصفا علميا دقيقا يضاهي تعريف العلماء وأصحاب الاختصاص ,كما جاء وصفها أيضا بكلام نبيه المصطفى عليه صلوات الله وسلامه بالحديث الشريف , وقبل شرح أوجه الإعجاز دعونا نتذكر صفات السراب لنبين الإيجاز في التعبير والوصف العلمي الدقيق.
صفات ظاهرة السراب
1- المكان المناسب لحدوثها ....... 2- اشتداد الحرارة
3- السراب يشبه سطح الماء ........ 4- وجود الهواء المتحرك
5- كلما اقتربنا منه ابتعد عنا
قال الله تعالى في محكم تنزيله في سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب) , ( 39)
أما في قوله سبحانه (كسراب بقيعة ) فهذا يعني أن السراب لا يحدث إلا في الأرض القيعة والتي تعني الأرض المستوية أو ما انبسط من الأرض ولا يتكون السراب إلا بوجود هذا المكان الخاص .
وفي قوله غزّ من قائل (يحسبه الظمآن ماء ) أما الظمآن فهو ما اشتد عطشه و يصبح كذالك تحت ظروف الجو الحار , وهذا يدل على الشرط الثاني .
والإعجاز المبهر والذي لا جدال فيه عند أصحاب الاختصاص ,تشبيه السراب بالماء وليس بالمرآة مثلما قال العلماء الغربيون فشتان ما بين الانعكاس عن سطح الماء وسطح المرآة لان حادثة السراب لا تحدث إلا بوجود الهواء المتحرك (تيارات الحمل) فتظهر طبقات الهواء متموجة مثل الماء , وهذا هو الشرط الثالث والرابع .
والمعادلة الفيزيائية لظاهرة السراب تكمن بقوله تعالى (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) , نستنبط من هذه الكلمات الربانية أنه كلما اقتربنا من السراب ابتعد عنا وبالتالي فإن المسافة بين عين الناظر والسراب ثابتة وهذا هو الشرط الخامس .
ومن التجارب التي خاضها البشر أمام السراب تجربة السيدة هاجر زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام في سعيها بين جبلي الصفا والمروة للحصول علي غذاء وماء لطفلها النبي إسماعيل عليه السلام, معتقدة أن السراب ماء يمكنها الحصول عليه .
والسؤال هنا من أخبر النبي المصطفى عليه صلوات الله وسلامه قبل 14 قرنا عن ظاهرة السراب وشروطها وتفسيرها العلمي والفيزيائي .