المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للمتعصبين عرقياً : جربوا ال ( D N A )



أستاذ / بدر العصيمي
01-23-2009, 08:17 PM
ضوء صحفي
للمتعصبين عرقياً: جربوا ال D N A
ممدوح المهيني – صحيفة: الرياض ( السعودية ) – العدد : ( 14823 )

تخيل لو أن شخصاً يقول لك بأنه أكثر آدمية منك، ومتفوق جينياً عليك، وينتمي لسلالة من النبلاء، ولا يسمح لك بمصاهرته حتى لا تختلط دماؤكم المختلفة مع بعض. سيبدو هذا الشخص الذي يفرق بين البشر المتساويين معتوهاً ومختلاً وهو يردد مثل هذه الكلمات، ولكن في الحقيقة أن مثل هذا الشخص يقبع داخلنا، وهو يعبر عن أسوأ الأفكار وأكثرها بدائية وهي فكرة التعصب العرقي.
على الرغم من أننا نتحسن في بعض النقاط إلا أن قضية التعصب العرقي القديمة تبدو الآن أسوأ من الماضي، ويمكن أن نراها تقريباً في الجميع على مختلف الطبقات أو المستويات الثقافية، فنفس الأحاديث الاحتقارية العرقية يمكن أن تسمعها من شخص لم يتعلم ، تسمعها من شخص حاصل على أعلى الدرجات العلمية. ومن المثير في الأمر أن مثل هذه الأفكار شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة الماضية وصلت لدرجة الهوس، واعتنقها الصغار بحماس قبل الكبار. البرامج الشعرية كشفت عن المقدار الكبير من هذا التعصب العرقي، هناك آلاف المواقع الالكترونية المخصصة للتغني بأعراق مختلفة، وتدخل في مشاحنات مع مواقع أخرى تدعي أنها أكثر عراقة منها، ومثل هذه المواقع يديرها شباب صغار يؤمنون فعلاً بحقيقة تفوقهم العرقي على الآخرين (في النقاشات الالكترونية يمكن أن تسمع الكثير من المصطلحات العنصرية البغيضة التي تقال بإحساس يقيني بالنبل والعراقة). أيضاً عادت من جديد للظهور شجرة العائلة التي تعبر بهوس الناس للبحث عن سلالاتهم وأصولهم البعيدة حتى يثبتوا صفاء ونبل دمائهم، وقد تطور مثل هذا الهوس لدى الجميع تقريباً على حد سواء لدرجة دفعت بعضهم إلى البحث عن نسب يربطهم بأحد الأنبياء الصالحين (من المثير للسخرية أن هذا النسب يمتد بشكل غير مفهوم ليصل إلى أحد الأنبياء القدماء، ما عدا النبي لوط وذلك يعود إلى السمعة السيئة التي اكتسبها قومه بسبب ممارساتهم الجنسية الشاذة). وأخيراً شهدنا القضية البغيضة المتعلقة بتكافؤ النسب وهي تعبر عن قبح فكرة التعصب العرقي التي يمكن أن تبرر هدم أسرة كاملة وتشتيتها من أجل مثل هذه الأوهام. الآن نحن، حتى لو لم نعترف بذلك وادعينا العكس، نعيش حالة من الانقسام الكبير بسبب التعصب العرقي، فالكل تقريباً يزدري الجميع، وعلى الرغم من أننا نعيش في وقت يجب أن نندمج فيه أكثر، ونتقارب أكثر، ونتخلى عن مثل هذه الأفكار التي لا تليق بأناس يعيشون في مدن حديثة، ومع ذلك فإننا مصابون بوهم نقائنا، وزاد تفاخرنا بأصولنا، وأصبحت قضية العرق تتحكم بنا ليس فقط في الزواج ولكن أيضاً في تكوين الصداقات والتوظيف. للأسف أنني شهدت بعض الحالات (والكثير بالتأكيد منا شهد ذات الشيء) التي يرفض فيه البعض الزواج من فتاة لمجرد شعوره بأنه متفوق عليها جينياً، وهناك آخرون يقولون أنهم لا يستطيعون الزواج من فتاة من عرق مختلف حتى لو كانوا يشعرون بأنها المناسبة لهم بسبب الضغوط العائلية عليهم أحدهم يقول لي بأنه سيتعرض للنبذ العائلي بسبب ذلك، ولكن أليس حدثاً سعيداً أن تتعرض للنبذ من قبل مجموعة من المتعصبين عرقياً ؟. ولكن لماذا تظل فكرة التعصب العرقي بمثل هذه القوة، وتنتقل بسهولة من جيل إلى آخر؟! في الواقع مع أن فكرة التعصب العرقي عنيفة وقاسية إلا أنها في الحقيقة تنطوي على وهم خرافي يمتصه الشخص منذ طفولته عبر أحاديث الكمال والبطولة التي غالباً ما يسبغها المحيط العائلي على الأجداد. تشدد مثل هذه الأحاديث على أن الدم الذي يجري في عروق هذه العائلة أو هذه القبيلة هو الذي يجعلها تقدم على مثل هذه الأعمال البطولية الخارقة. ولأن البيئة الثقافية التي ينشأ فيها الشخص أقوى منه بكثير، وقادرة على حقنه بكل الأفكار التي تريدها، وبسبب غياب العقلية النقدية المنطقية لدينا فإن مثل هذه الأفكار على عبثيتها وضعف منطقها تصبح أكثر الأفكار القوية المتغلغلة داخلنا والمتحكمة بنا، والتي يمكن أن نهدم أُسرا مستقرة من أجلها. ولكن القليل فقط من النقد سيبدد مثل هذه الأوهام التي تعصف بحياتنا وذلك بإدراكنا أن الحديث عن الماضي العرقي هو حديث جماعي ويجعل الصورة مثالية ومضيئة وهذا غير حقيقي إطلاقاً. رؤية منطقية وموضوعية لماضينا وماضي الآخرين تجعلنا ندرك أنه ككل ماض بشري مليء بالأخطاء والعيوب، وأننا جميعنا بشر تختلط بنا الفضائل والرذائل. مثل هذه الطريقة النقدية تجعلنا نتعرف بالقليل من التأمل على طبيعة البشر المختلفة فيما بينهم وهي التي تتفاوت بين الكرم والبخل والشجاعة والجبن والنبل واللؤم ومن غير المنطقي أن يكون كل أجدادك هم شجعان ونبلاء وكرماء بل فيهم الخسيس واللئيم لأنهم بشر وثانياً ولا علاقة لك بهذا الموضوع فأنت وهم شيئان مختلفان تماماً. ولكن قضية التعصب العرقي توفر إحساسا عاليا بالعظمة المجانية لشعور الشخص بأنه عريق حتى لو لم يفعل شيئاً في حياته إلا الجلوس في البيت، لهذا يبدو من الصعب عليه أن يتخلى عن مثل هذه الأفكار التي تجلب له الاستقرار النفسي والذهني. ولكن مثل هذا الشعور يمكن استبداله بشعور الانجاز الشخصي الذي يجعل قيمتك بجهدك وليس باسمك أو بالإحساس الإنساني الرائع الذي يجعلك تشعر بالسعادة ليس لأنك متفوق على الآخرين ولكن لأنك متساوٍ معهم. قضية التعصب العرقي تتطور وتتصاعد لأنها لا تتعرض لأي نقد ومساءلة لا في المدرسة ولا الجامعة ولا أي مكان آخر التي يدخل فيها الشخص متعصباً، وفي الحقيقة ما فائدة أي جهة تعليمية وتثقيفية إذا لم تقتلع فكرة بدائية مثل فكرة التعصب العرقي. ولكن يجب علينا أن لا نعتمد على هذه الجهات التي أثبتت فشلها ولكن يجب أن نعتمد على بعضنا ونتحلى ببعض العقلية النقدية من أجل اكتشاف ماضينا البشري، واستبدال مشاعرنا العرقية بمشاعرنا الإنسانية، وهذه هي في الحقيقة مزايا الشعوب الناجحة والمزدهرة، وللمتعصبين عرقياً الذين لا يقتنعون بمثل هذه الآليات الثقافية يمكن أن يلجأوا للطب ويجروا اختبار الحمض النووي الD N A الذي باتت توفره عدد من العيادات ليكتشفوا بأنفسهم بأنهم مختلطون بالأعراق وان دماءهم تشبه دماء الجميع، فربما بعد أن يكتشفوا هذه الحقيقة العلمية يبددوا أوهامهم، ويصبحوا أكثر تواضعاً وإنسانية.