المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العالم المغربي في كمياء المواد الحيةأمين سلماني حقّق سبقاً علمياً بإنتاجه غضروفاً طبيعياً من الجمبري



عبد الرؤوف
12-15-2008, 08:50 PM
عالِم في كيمياء المواد الحيّة صَنَعَ مادة طبية لعلاج إصابات الرُكبة ... المغربي أمين سلماني حقّق سبقاً علمياً بإنتاجه غضروفاً طبيعياً من الجمبري



يعتبر أمين سلماني (وهو كندي من أصل مغربي متزوج من كندية ومولود في مدينة «آسفي» المغربية المطلة على المحيط الاطلسي) من مشاهير الباحثين العرب الساعين وراء العلم في الحواضر العلمية غرباً. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية والجامعية في الرباط، منجذباً الى العمل في الكيمياء. ثم سافر إلى فرنسا، حيث حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه (الحلقة الثالثة) في الكيمياء من جامعة «بوردو» في علوم «أصل المواد Material Science. وانتقل بعدها إلى كندا حيث نال شهادة الدكتوراه في الاختصاص نفسه من فرع الـ»بوليتكنيك» في جامعة «مونتريال».


«هرولة في الإتجاه المُعاكس»

قَرّر سلماني العودة إلى المغرب. وهناك، درّس مادتي الفيزياء والكيمياء في «جامعة الحسن الثاني». ولم يدم ذلك إلا أقل من عام دراسي. وفي لقائه مع «الحياة»، أوضح سلماني عاد الى موطنه مهرولاً عقب نيله الدكتوراه، مدفوعاً بإعتبارين أساسيين.
أتى أولهما من عامل معنوي، إذ اعتقد بأن الاستاذ الجامعي يحظى في بلده وبين أهله وعائلته ومجتمعه بما يستحقّه من مكانة مرموقة.
وجاء الباعث الآخر من منطلق وطني أكثر شمولاً، بمعنى تلمّسه لحاجة المغرب إلى أصحاب الاختصاصات العلمية العالية للمساهمة في بنائه وتنميته وتطويره وتحديثه. وسرعان ما خاب رجاءه. إذ تبين له ان كلا الامرين لا يلبيان طمحوحاته الشخصية والمهنية، ولا يخدمان المغرب لاعتبارات حكومية واكاديمية. وقال: «مثلاً حددت لي إدارة الجامعة دواماً جزئياً لا يتعدى أربع ساعات تدريس في الاسبوع، الامر الذي خيّب أملي ودفعني مرغماً للهرولة في الإتجاه المُعاكس». وهكذا، عاد سلماني إلى كندا في العام 1981. ولا زال فيها حتى اليوم!
ومباشرة بعد عودته إلى كندا، لاقى سلماني ما توقّعه من إهتمام، على عكس خيبة أمله في الوطن. إذ سرعان ما عُيّن أستاذاً في «جامعة مونتريال» فرع «بوليتكنيك»، الذي نال منه الدكتوراه قبلاً. وتفرّغ للتدريس والبحوث في قسم العلوم الكيماوية العالية، مع تركيزه على العلاقة بين الكيمياء والبيولوجيا (علم الكائنات الحيّة). وبعدها، التحق بجامعة «هاليفكس» الكندية. وتسلّم رئاسة مركز البحوث فيها، الأمر الذي هيّأ له فرصة عظيمة للاستفادة من علومه وبحوثه، إضافة الى إفساح المجال له للعمل على مساحات التقاطع بين التركيب الكيماوي للمواد عموماً، والتراكيب الموجودة في خلايا الكائنات البيولوجية الحيّة. وبذا، دخلت بحوثة إلى علم الهندسة للمواد البيولوجية في الأنواع الحيّة. ونشر مئات البحوث في مجلات عالمية.
وسجّل أكثر من 144 براءة إختراع في كندا وأميركا وأوروبا واليابان والصين. في هذا السياق، قال سلماني: «كان لديّ ميل واضح للعلوم البيولوجية، خصوصاً لدراستها من زاوية العلاقة بين التركيب الكيماوي للمواد في الخلايا الحيّة وتفاعلاتها وتأثيراتها على تركيب الأنسجة في أجسام الكائنات البيولوجية. وبدأت بتكوين فريق يجمع تلك الحقول. وتألّف جُلّه (قرابة 20 طالبا) من الساعين لنيل درجة الدكتوراه. وانشأنا مختبراً للتكنولوجيا البيولوجية، يعنى خصوصاً بمحاولة إنتاج الغضروف الطبيعي Cartilage ليُصبح قابلاً للإستخدام كبديل عن الغضروف الإصطناعي الذي يساعد الجراحين في علاج إصابات المفاصل، لكنه يعرض المرضى إلى كثير من المخاطر الصحية».


سوق علم الهندسة الوراثية

إلى جانب عمله الأكاديمي، أسّس سلماني شركة متخصصة بانتاج الغضروف الطبيعي في المختبر. وحقّق سبقاً علمياً وتكنولوجياً وضعهُ في مقدم البحّاثة في حقل انتاج الغضروف الطبيعي وصناعته. وبفضله، استمرت الشركة في أعمالها بين عامي 1995و2000. بواسطة مجموعة من التقنيات الطبية الحديثة التي ابتكرها سلماني، استطاعت الشركة انتاج مادة حية قابلة للنمو. وطبقته عملياً على البشر في معالجة الغضروف الهلالي المزدوج الكبير الذي يقبع في الركبة على رأس عظم الساق، مُشكّلاً وسادة يدور فيه الرأس السفلي لعظمة الفخذ. واحتكرت الشركة انتاج هذه المادة وتسويقها.
وبحسب كلمات سلماني «على نطاق واسع، اعتُبر هذا الاكتشاف «فتحا ثورياً» في مجال الطب المتصل بعلم الهندسة البيولوجية-الكيماوية، وأنه قد ينهي عمليات زراعة المفصل او الغضروف الاصطناعي للركبة البشرية».
وأفاض سلماني في شرح التفاصيل العلمية لذلك الإبتكار قائلاً: «أنها مادة تُصنع من قشرة الجمبري («القريدس») التي تطحن وتطبخ في الماء على درجة حرارة بين 30 و60 درجة حيث تتحوّل من سائل إلى مادة لزجة تشبه «الجِلْ» Gel، وتتميز بأنها تتأقلم بسرعة مع مع خلايا الجسم الطبيعية وانسجته، وتتعايش معها».
وتحدّث أيضاً عن طُرُق استخدام تلك المادة في معالجة الغضروف المصاب، قائلاً «يتولى جراح متخصّص في العظام الإشراف على العملية التي تبدأ بأخذ كمية من دم المريض للتاكد من سلامته وعدم تلوثه. وفي خطوة تالية، يُخلط الدم مع «جِل» الجمبري. ثم يعمد الجراح إلى إجراء فتحة صغيرة في الركبة إلى ان يصل إلى لب العظام، ويأخذ منه خزعة. وبعدها، يستخدم الفتحة مدخلاً لضخ «الجِل» الى المفصل، فتستقر فوق الغضروف المُصاب، الذي يأخذ بالنمو والتجدّد، فيلتحم «الجِلْ» مع مادة الغضروف. ويعني ذلك أنه يشرع في العودة إلى طبيعته الأصلية من دون مضاعفات صحية. وبعدها، يصبح المريض قادراً على ممارسة حياته العادية في المشي وتحريك الركبة وطيّها. لا تستغرق هذه العملية أكثر من نصف ساعة. ويمكن اجراؤها مرات عدة، اذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. وأكّد سلماني أنه لم يبدأ العمل بهذا الاكتشاف الا بعد إجرائه مجموعة من الاختبارات العملية على الحيوانات التي لها النوع نفسه من الغضروف الذي يغلف عظام الركبة، مثل الغنم والخيول والارانب.
وأشار إلى انه أول من توصل إلى اكتشاف هذه المادة القادرة على انتاج الغضروف بطريقة طبيعية. وبعد ان تحقق المشروع واثبت نجاحه على الصعيدين العلمي والطبي، يرى سلماني انه بات بحاجة إلى تسويقه عالمياً، الأمرالذي يتطلب ميزانية ضخمة تفوق امكانية مؤسسته الخاصة. وبعد جهود مكثفة واتصالات بمؤسسات البحوث والجامعات الكندية واصحاب الشركات العالمية، نجح سلماني في تحويل مؤسسته إلى شركة مساهمة برأسمال 16 مليون دولار. ويتولى منصب رئيس مجلس الادارة فيها أيضاً. وراهناً، تصنع الشركة المواد البيوكيميائية بكفاءة تكنولوجية عالية تسمح بمعالجة العظام والانسجة والالياف والغضروف والجلد وغيرها من خلايا الجسم. وكذلك أصبحت تغطي قسماً كبيراً من حاجة الاسواق العالمية، كما ترتبط بعقود مع ثلاث من أكبر شركات دول المجموعة الاوروبية. ويرى سلماني أن الولايات المتحدة الاميركية وحدها تشكل سوقاً مثالية. وبرّر ذلك بقوله: «انها البلد الذي يستطيع تمكين التقنيات التي نملكها من الحلول محل 300 ألف عملية تجري سنوياً في مجال جراحة الرُكَب الاصطناعية وتركيبها. وتُكلف تلك العمليات أميركا ما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنوياً.
يشار إلى ان أبرز من عولج بطريقة الغضروف الطبيعي لاعب الهوكي الكندي الشهير سيرج بافارد الذي أُصيب بركبته أثناء أحد المباريات. ويشغل بافارد اليوم منصب المديرالعام لفريق «كندا مونتريال». ويمارس رياضة الهوكي بشكل طبيعي.
ولخّص سر تحوّله من استاذ جامعي مشهور إلى رجل أعمال أكثر شهرة ، بعبارة موجزة، قائلاً: «السرّ هو أن تقتنع بعملك وأن تقنع الاخرين به، وأن تثابر عليه وأن تسوق له جيداً»