الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض وما بينهما، الذي جعلها هداة و دعاة بلسان حالها للعالمين، إلى معرفة منشيها ومبدعها، وصلى الله على محمد عبده وخاتم أنبيائه ورسله.
وبعد.العين في اللغة لها معنى “شعاع الشمس”، وحرف الجر “في” له معنى المصاحبة، والعلم التجريبي أثبت حقائق غيرت معنى الإبصار عند الناس، وثبت عدم إمكانية إدراك المفسرين بالوسائل البشرية لهذا المعنى في عصرهم، فنحن لا نرى الألوان والأشياء على الحقيقة، وإنما نرى الأشعة التي تعكسها أو تصدرها هذه الأشياء.بهذا يصير ممكنا تأويل “وجدها تغرب في عين حمئة” من الآية 86 من سورة الكهف تأويلا حقيقيا، فذو القرنين سيكون قد وجد الشمس تغرب مع أشعة حمئة نسبة إلى الحمأة.
http://ghoroub.blog.com/
للفظ “عين” معنى شعاع الشمس
يسمَّى الشيئان المختلفان بالاسمين المختَلِفين وذلك أكثرُ الكلام كرجلٍ وفرس،ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو السيف والمُهَنَّد والحسام، وتسمَّى الأشياءُ الكثيرة بالاسم الواحد لأن المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية فإذا وزع لزم الاشتراك نحو عين الماء وعين المال وعين السحاب وعين الشمس…
ولفظ العين من أكثر الألفاظ اشتراكا في معان كثيرة ، ولا يستغني عن ذكرها مصنف في باب معرفة المشترك ، ذكر ذلك السيوطي في كتاب المزهر والأصمعي في كتاب الأجناس وأبو عبد الله بن محمد بن المعلى الأزدي في كتاب الترقيص وابن خالويه في شرح الدريدية والفارابي في ديوان الأدب والتبريزي في تهذيب الإصلاح[1] والثعالبي في فقه اللغة[2] وقد أوصل معانيها الشيخ بهاء الدين السبكي في قصيدة له عينية مدح بها أخاه الشيخ جمال الدين الحسين إلى خمسة وثلاثين معنى وأولها:
هنيا قد أقر الله عيني فلا رمت العدا أهلي بعين
وهى طويلة وتفصيل ما ذكره: “العين والمكاشف والناحية والذهب وبمعنى أحد وأهل الدار والأشرف وجريان الماء وينبوع الماء ووسط الكلمة والجاسوس وعين الإبرة والشمس والنقد وشعاع الشمس وقبلة العراق واسم بلد وهو رأس عين والدينار خاصة والخرم من المزادة ومطر أيام لا يقلع والعافية والنظر ونقرة الركبة والشخص والصورة وعين النظرة وقرية بمصر والأخ الشقيق والأصل وعين الشجر وطائر والركية والضرر في العين وكتاب في اللغة وحرف من المعجم” وقال ابن الطيب الفاسي معاني العين زادت عن المائة[3] وأوصلها الفيروزآبادي في القاموس المحيط إلى سبعة وأربعين مرتبة على الحروف وفى كتاب البصائر[4] ما ينيف على خمسين رتبها على حروف التهجي قال والمذكور في القرآن سبعة عشر، وذكر أن “شعاع الشمس” من معاني العين.
وفي لسان العرب لابن منظور وجمهرة اللغة لابن دريد؛ عين الشمس: شعاعها الذي لا تثبت عليه العين. والشُّعاعُ: ضَوْءُ الشمس الذي تراه عند ذُرُورِها كأَنه الحبال أَو القُضْبانُ مُقْبِلةً عليك إذا نظرت إِليها، وقيل: هو الذي تراه مُمْتَدّاً كالرِّماحِ بُعَيْدَ الطلوع، وقيل: الشُّعاعُ انتشارُ ضوئِها.
في” حرف جر، له عشر معان”
[5]
الظرفية
وهى إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: “ألم .1. غلبت الروم .2. في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون .3. في بضع سنين.4.”[الروم:1.2.3.4] أو مجازية نحو “ولكم في القصاص حياة” [البقرة: 179]. ومن المكانية “أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي” إلا أن فيهما قلبا.
المصاحبة
نحو “ادخلوا في أمم” [الأعراف: 38] أي معهم، وقيل: التقدير ادخلوا في جملة أمم، فحذف المضاف. وروى في الخبر في قوله عز وجل: “فخرج على قومه في زينته” [القصص: 79] قال: في ثياب حمر[6] قال الغزنوي: أي مع زينته[7].
التعليل
نحو “لمسكم فيما أفضتم عذاب عظيم” [النور: 14] وفى صحيح البخاري ” دخلت امرأة النار في هرة ربطتها “.
الاستعلاء
نحو “ولأصلبنكم في جذوع النخل” [طه: 17]. وقال سويد بن كاهل:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
وقال عنترة:
بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس بتوأم
مرادفة الباء
كقول زيد الخير:
ويركب يوم الروع منا فوارس بصيرون في طعن الاباهر والكلى.
مرادفة إلى
نحو “فردوا أيديهم في أفواههم”[ابراهيم: 9].
مرادفة من
كقول امرؤ القيس:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي ؟
وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ؟
المقايسة
- وهى الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق –
نحو “فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل”[التوبة: 38]
التعويض
وهى الزائدة عوضا من “في” أخرى محذوفة كقولك “ضربت فيمن رغبت” أصله: ضربت من رغبت فيه، أجازه ابن مالك وحده بالقياس على نحو قوله * فانظر بمن تثق * على حمله على ظاهره، وفيه نظر.
التوكيد
وهى الزائدة لغير التعويض، أجازه الفارسي في الضرورة، وأنشد:
أنا أبو سعد إذا الليل دجا يخال في سواده يرندجا
وأجازه بعضهم في قوله تعالى: “وقال اركبوا فيها” [هود: 41]
أصل الرؤية
نحن لا نرى الألوان والأشياء على الحقيقة، وإنما نرى الأشعة التي تعكسها أو تصدرها هذه الأشياء، تستقبلها أعيننا، وتحولها إلى إشارات كهرومغناطيسية تنتقل من خلال أعصاب العين إلى الدماغ، الذي يترجمها صورا ملونة. فكل لون يرتبط بطول معين لموجة ضوئية من الطيف المرئي.
بعيدا في الأفق ، في اتجاه الغرب ، يكون النهار. السحاب والغبار البعيدين يحدثان تشتتا للضوء الأبيض على جميع الأطوال الموجية للضوء. كلما انتقل ضوء النهار شرقا إلى عينيك ، تناثرت الأشكال الزرقاء في اتجاه الأرض. عند الغروب أشعة الشمس تقطع مسافات طويلة من خلال أجزاء الغلاف الجوي الكثيفة لتصل إلى عين المراقب. وما تعبره من طبقات الغلاف الجوي طوله اكثر من 30 مرة مقارنة مع ما تعبره حينما تكون الشمس مباشرة فوق المراقب. ينكسر ضوء الشمس على الغلاف الجوي للأرض فتتشتت الأشعة بجزيئات الجو وقطرات الماء. الأطوال الموجية البنفسجية والزرقاء تتناثر عموما نزولا نحو الأرض. وهذا يجعل من السماء تبدو زرقاء كلما كان النهار والشمس مرتفعة في السماء. في المقابل، نحو الشرق حيث الغروب، الضوء الذي تراه فقد أطواله الموجية البنفسجية والزرقاء، وتركك مع أطياف شتى من الأصفر والأحمر وأيضا الأرجواني.
والذي يدرك أصل الرؤية يمكنه توظيف معاني بعض الألفاظ للحصول على جمل صحيحة لم يكن بمقدوره إدراك صحتها من قبل، فإذا اخترنا لحرف الجر “في” معنى المصاحبة أي بمعنى “مع”، وللفظ “عين” معنى “شعاع الشمس” فإنه جائز في اللسان العربي التعبير عن غروب الشمس في الصور بالجمل المقابلة:
الشمس تغرب في عين أرجوانية
الشمس تغرب في عين حمراء
قال ابن الأبار:
و نهر كما ذابت سبائك فضة حكى بمحانيه انعطاف الأراقم
إذا الشفق استولى عليه احمراره تبدى خضيبا مثل دامي الصوارم
الشمس تغرب في عين ذهبية
قال ابن حداد:
إني أرى شمس الأصيل عليلة ترتاد من بين المغارب مغربا
مالت لتحجب شخصها فكأنها مدت على الدنيا بساطا مذهبا
الشمس تغرب في عين فضية
قال الشريف أبي القاسم:
وامتد من شمس الأصيل أمامنا نور له مرائ هناك بهيج
فكأن ماء البحر ذائب فضة قد سال فيه من النضار خليج
وجدها تغرب في عين حمئة
قال القاضي شمس الدين الخويي رحمه الله:
“علم التفسير عسير يسير أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان للوصول إليه بخلاف الأمثال والأشعار فإن الإنسان يمكن علمه بمراد المتكلم بأن يسمع منه أو يسمع ممن سمع منه أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول عليه السلام وذلك متعذر إلا في آيات قلائل فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد وإنما هو عليه السلام صوب رأي جماعة من المفسرين فصار ذلك دليلا قاطعا على جواز التفسير من غير سماع من الله ورسوله”[8]
قال الرازي: “الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض.. (و) أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد، ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحى في بلد ثالث، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس، وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار، وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال أنها تغيب(حقيقة)في الطين والحمئة كلاما على خلاف اليقين, وكلام الله –تعالى- مبرأ عن هذه التهمة فلم يبق إلا أن يصار إلى التأويل”[9]
تأويل غير حقيقي
قال بعض العلماء: ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض…[10]
قال الدكتور يوسف القرضاوي:
كذلك، أين غربت الشمس؟ لم يعرفنا القرآن، وكل ما نعلمه أن ذا القرنين اتجه إلى جهة الغرب، حتى وصل إلى أقصى مكان في الغرب، وهناك وجد الشمس في رأى العين كأنما تغرب في عين حمئة. والحمأ هو الطين المتغير. فكأنما وجد الشمس تسقط في تلك العين الحمئة.. ولو وقف أحدنا عند الغروب على شاطئ البحر، لوجد الشمس كأنما تسقط في البحر أو تغرب فيه، مع أن الحقيقة غير ذلك. فهي تغرب عن قوم لتشرق عند آخرين.[11]
مع أن الحقيقة غير ذلك كما قال الدكتور أي أن التأويل غير حقيقي، فهل في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية لا يمكن الحصول على تأويل حقيقي؟
تأويل حقيقي
كان علماء الفيزياء والبصريات لقرون قليلة على رأي متوارث: (كان المتحققون بعلم الطبيعة يرون أن الإبصار إنما يكون من صورة ترد من المبصر إلى البصر منها يدرك البصر صورة المبصر. وكان أصحاب التعاليم متفقين بالجملة على أن الإبصار إنما يكون بشعاع يخرج من البصر إلى المبصر وبه يدرك البصر صورة المبصر، وأن هذا الشعاع يمتد على سموت خطوط مستقيمة أطرافها مجتمعة عند مركز البصر، وإن كل شعاع يدرك به مبصر من المبصرات فشكل جملته شكل مخروط رأسه وقاعدته سطح المبصر). [12]
(واختلفوا في البصر كيف يبصر فزعم بعضهم أن الشعاع يخرج من العين وينبسط في المبصرات فيكون كاليد التي تلمس ما كان خارجاً عن البدن ويؤدي ذلك إلى القوة البصرية وافلاطن يرى ذلك اجتماع الضياء ويقول أن البصر يكون باشتراك الضوء البصري والضوء الهوائي وسيلانه فيه بالمجانسة التي بينهما وأن الضوء الذي ينعكس عن الأجسام ينبسط في الهواء لسيلانه وسرعة استحالته فيلقى الضياء الناري البصري)[13]
وبذلك ثبت عدم إمكانية إدراك المفسرين بالوسائل البشرية لهذا المعنى في عصرهم، ومثال ذلك كلام ابن حزم في الألوان “…فإذا السواد يمنع البصر من الانتشار ويقبضه عن الانبساط…” [14]
وقد أثبت العلم التجريبي حقائق غيرت معنى حقيقة الإبصار عند الناس، وعليه، فإذا اخترنا لحرف الجر “في” معنى المصاحبة أي بمعنى “مع”، وللفظ “عين” معنى “شعاع الشمس” في “وجدها تغرب في عين حمئة” من الآية 86 من سورة الكهف، فإن ذو القرنين سيكون قد وجد الشمس تغرب مع أشعة حمئة نسبة إلى الحمأة وهو الطين الذي خرج من النهر [15]، وهذه الأشعة هي نفسها الأشعة التي تعكسها الحمأة، أكثر موجات الضوء الأحمر طولا[16]، وبكثافة تقل كلما تقدم وقت الغروب. وهذا تأويل حقيقي
تغرب في عين حمئة
مواقع النشر (المفضلة)