هل هناك خلاف في أصول الفقه بين العلماء ؟ الحقيقة أنَّ هناك خلاف بين الأئمة في بعض الفروع أما في أصول الفقه فالخلاف قليل جداً جداً. الإمام الشافعي عندما دوَّن هذا العلم وافقه العلماء الذين كانوا في عصره، فكل من المالكية والحنابلة والشافعية طبَّقوا هذه القواعد التي دوَّنها الشافعي، لذلك لا يوجد عندنا كتب أصول فقه للمالكية والحنابلة، فقط الحنفية هم الذين خالفوا الشافعي في مسائل في أصول الفقه. لذلك عندما ندرس أي كتاب في أصول الفقه نجد أنَّ هذه الأصول تأخذ أحد طرفين طريقة الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وتسمى طريقة المتكلمين وطريقة الحنفية.
ملاحظة: هنا قد يرد إشكال ألا وهو إن كان الإمام الشافعي هو الذي وضع قواعد أصول الفقه بمعنى أنَّ الفقه الذي تفرَّع من هذه الأصول يمكن أن نعتبره فقهاً وضعه الشافعي وبالتالي لا تثبت البيِّنة على أنَّ الفقه هو حكم الله عز و جل و شرعه المنزَل، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك إشكال آخر أثاره بعض المستشرقين يقول فيه: من أين جاء الإمام الشافعي بقواعد أصول الفقه ؟ لعله ابتدعها من عنده!.
الجواب: إنَّ هنالك فرقاً دقيقاً ولكن هاماً جداً بين قولنا إنَّ الإمام الشافعي وضع علم أصول الفقه وبين قولنا إنه دوَّن علم أصول الفقه. الشافعي لم يخترع ولا قاعدة واحدة من قواعد علم أصول الفقه إطلاقاً وإنما بحكم أنَّ الشافعي حجة وإماماً في اللغة عكف على أساليب العرب و كيفية فهمهم للكلام والمعاني التي تُستَخلَص من العبارات فاستخرج من قواعد العرب و اصطلاحات اللغة العربية في الفهم والنطق استخرج من ذلك قواعد دوَّنها و لفت إليها أنظار الفقهاء والمحدِّثين. ولكي نقرب الصورة أكثر نضرب المثال التالي: إنَّ أول من دوّن علم اللغة العربية هو أبو الأسود الدؤلي، فهل لأحد أن يقول إذاً أن أبو الأسود الدؤلي اخترع اللغة العربية؟!!! فأبو الأسوَد الدؤلي إذا كان وضع قواعدها فهذا لا يعني أنه اخترعها. نحن جميعاً نعلم أنَّ اللغة العربية كانت موجودة من قَبل أبي الأسوَد بكثير وأنَّ الناس كانوا يرفعون الفاعل و ينصبون المفعول به و يجرّون المضاف إليه وما إلى ذلك قبل الدؤلي بقرون ولكن الذي حصل أنَّ أبا الأسوَد عمد بعبقريته الفذة إلى النطق العربي وتتبَّعه فوجد أنَّ العرب دائماً ترفع الفاعل وما إلى ذلك، فقعَّد له قوانين وقواعد حتى يستطيع من لا يجيد العربية بالسليقة أن ينطق النطق السليم. والكلام نفسه يًطَبَّق على الشافعي وعلم أصول الفقه، فالشافعي مثلاً وجد أنَّ العرب إذا سمعوا جملة ما، تدرك لها معناها الإيجابي وتأخذ بالاعتبار معناها السلبي. مثال على ذلك، عندما تسمع العرب حديث " مطل الغني ظلم " (أي إذا كان المدين مليئاً غنياً وماطل في دفع الدَّين المترتب عليه فهو ظالم) العرب قبل الفقهاء فهموا من هذا الكلام أنَّ مطل الفقير ليس بظلم وهذا ما سماه الشافعي " المفهوم المخالِف ". إذاً هو لم يخترع هذا وإنما تتبع لغة العرب وقعَّدها.
مواقع النشر (المفضلة)